رسالة في ليلة التنفيذ
صفحة 1 من اصل 1
رسالة في ليلة التنفيذ
رسالة في ليلة التنفيذ
لهاشم الرفاعي
--------
أبتاه ماذا قد يخط بناني و الحبل و الجلاد منتظرانِ
هذا الكتاب إليك من زنزانة مقرورة صخرية الجدرانِ
لم تبق إلا ليلة أحيا بها و أحس أن ظلامها أكفاني
ستمر يا أبتاه لست أشك في هذا و تحمل بعدها جثماني
الليل من حولي هدوء قاتل و الذكريات تمور في وجداني
و يهدني ألمي فأنشد راحتي في بضع آيات من القرآنِ
و النفس بين جوانحي شفافة دبَّ الخشوع بها فهز كياني
قد عشت أومن بالإله و لم أذق إلا أخيراً لذة الإيمانِ
شكرًا لهم أنا لا أريد طعامهم فليرفعوه فلست بالجوعانِ
هذا الطعام المر ما صنعته لي أمي و لا وضعوه فوق خوانِ
كلا و لم يشهده يا أبتي معي أخوان لي جاءاه يستبقانِ
مدوا إلي به يداً مصبوغةً بدمي و هذي غاية الإحسانِ
و الصمت يقطعه رنين سلاسلٍ عبثت بهن أصابع السجانِ
ما بين آونة تمر و أختها يرنو إلى بمقلتي شيــطانِ
من كوة بالباب يرقب صيده و يعود في أمن إلى الدورانِ
أنا لا أحس بأي حقد نحوه ماذا جنى فتمسه أضغاني
هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي لم َيبدُ في ظمأ إلى العدوانِ
لكنه إن نام عني لحظة ذاق العيال مـرارة الحرمانِ
فلربما و هو المُرَوِّعُ سحنة لو كان مثلي شاعراً لرثاني
أو عاد من يدري إلى أولاده يوماً و ذُكِّرَ صورتي لبكاني
و على الجدار الصلب نافذة بها معنى الحياة غليظة القضبانِ
قد طالما شارفتها متأملاً في الثائرين على الأسى اليقظانِ
فأرى وجوماً كالضباب مصوراً ما في قلوب الناس من غليانِ
نفس الشعور لدى الجميع و إن همُ كتموا و كان الموت في إعلاني
و يدور همس في الجوانح ما الذي بالثورة الحمقاء قد أغراني ؟
أو لم يكن خيرا لنفسي أن أُرى مثل الجميع أسير في إذعانِ ؟
ما ضرني لو قد سكت و كلما غلب الأسى بالغتُ في الكتمانِ
هذا دمي سيسيل يجري مطفئا ما ثار في جنْبَىَّّ من نيرانِ
و فؤادي المَوَّار في نبضاته سيكف في غده عن الخفقانِ
و الظلم باق لن يحطم قيده موتي و لن يودي به قرباني
و يسير ركب البغي ليس يضيره شاة إذا اجتثت من القطعانِ
هذا حديث النفس حين تشق عن بشريتي و تمور بعد ثوانِ
و تقول لي إن الحياة لغايةٍ أسمى من التصفيق للطغيانِ
أنفاسك الحَرَّى و إن هي أُخمدت ستظل تغمر أُفقهم بدخانِ
و قروح جسمك و هو تحت سياطهم قسمات صبح يتقيه الجاني
دمع السجين هناك في أغلاله و دم الشهيد هنا سيلتقيانِ
حتى إذا ما أفعمت بهما الربا لم يبق غير تمرد الفيضانِ
و من العواصف ما يكون هبوبها بعد الهدوء و راحة الربانِ
إن احتدام النار في جوف الثرى أمر يثير حفيظة البركانِ
و تتابع القطرات ينزل بعده سيل يليه تدفق الطوفانِ
فيموج يقتلع الطغاة مزمجرا أقوى من الجبروت و السلطانِ
أنا لست أدرى هل ستُذْكَر قصتي أم سوف يعروها دجى النسيانِ
أو أنني سأكون في تاريخنا متآمرا أم هادم الأوثانِ ؟
كل الذي أدريه أن تجرعي كأس المذلة ليس في إمكاني
لو لم أكن في ثورتي متطلبا غير الضياء لأمتي لكفاني
أهوى الحياة كريمة لا قيد لا إرهاب لا استخفاف بالإنسانِ
فإذا سقطتُ سقطتُ أحمل عزتي يغلى دم الأحرار في شرياني
أبتاه إن طلع الصباح على الدنى و أضاء نور الشمس كل مكانِ
و استقبل العصفور بين غصونه يوما جديدا مشرق الألوانِ
و سمعتَ أنغام التفاؤل ثرة تجري على فم بائع الألبانِ
و أتى يدق- كما تعود - بابنا سيدق باب السجن جلادانِ
و أكون بعد هنيهة متأرجحا في الحبل مشدوداً إلى العيدانِ
لِيَكُنْ عزاؤك أن هذا الحبل ما صنعته في هذي الربوع يدانِ
نسجوه في بلد يشع حضارة و تضاء منه مشاعل العرفانِ
أو هكذا زعموا و جيء به إلى بلدي الجريح على يد الأعوانِ
أنا لا أريدك أن تعيش محطماً في زحمة الآلام و الأشجانِ
إن ابنك المصفود في أغلاله قد سيق نحو الموت غير مدانِ
فاذكر حكايات بأيام الصبا قد قلتها لي عن هوى الأوطانِ
و إذا سمعت نشيج أمي في الدجى تبكى شبابًا ضاع في الريعانِ
و تُكَتِّم الحسرات في أعماقها ألماً تواريه عن الجيرانِ
فاطلب إليها الصفح عني إنني لا أبتغي منها سوى الغفرانِ
مازال في سمعي رنين حديثها و مقالها في رحمةٍ و حنانِ
أَبُنَيَّ : إني قد غدوت عليلةً لم يبق لي جَلَد على الأحزانِ
فأذق فؤادي فرحة بالبحث عن بنت الحلال و دعك من عصياني
كانت لها أمنـيـةً ريـانـةً يا حسن أمال لها و أمانِ
غزلت خيوط السعد مخضلا و لم يكن انتقاض الغزل في الحسبانِ
و الآن لا أدرى بأي جوانح ستبيت بعدى أم بأي جنانِ
هذا الذي سطرته لك يا أبي بعض الذي يجرى بفكر عانِ
لكن إذا انتصر الضياء و مُزِّقَتْ بيد الجموع شريعة القرصانِ
فلسوف يذكرني و يُكبر همتي من كان في بلدي حليف هوانِ
و إلى لقاء تحت ظل عدالةٍ قدسية الأحكام و الميزانِ
و إلى لقاء تحت ظل عدالةٍ قدسية الأحكام و الميزانِ
lonely heart2010- عضو ماسى
- عدد الرسائل : 214
العمر : 39
نشاط العضو :
تاريخ التسجيل : 06/09/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى